مع تجاوز أسعار الذهب مستوى 4300 دولار للأونصة للمرة الأولى في التاريخ، بفعل التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين وتزايد توقعات خفض أسعار الفائدة الأمريكية، عاد المعدن الأصفر ليعتلي المشهد العالمي كـ”الملاذ الآمن” الأول للمستثمرين.
ويرى خبراء الأسواق أن هذا الارتفاع قد يمثل بداية دورة صعودية مستدامة، مع تزايد المخاوف من تباطؤ الاقتصاد العالمي وتغير السياسات النقدية، ما يدفع المستثمرين إلى البحث عن الأصول الملموسة ذات القيمة الحقيقية.
وعالميا، ما يزال تعدين الذهب من أكثر الصناعات انتشارا، حيث يمارس في جميع القارات باستثناء القارة القطبية الجنوبية. وتصدرت الصين قائمة الإنتاج العالمي لعام 2024 بـ 380.2 طن، تلتها روسيا بـ 330 طنا، وفقا لتقرير مجلس الذهب العالمي.
لكن مع احتفاظ القوى الكبرى بصدارتها، تسير الدول العربية بخطى واثقة نحو ترسيخ مكانتها في سباق الذهب العالمي، من خلال تطوير التشريعات، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وتعزيز عمليات الاستكشاف والتكنولوجيا الحديثة في التعدين.
أكبر الدول العربية إنتاجا للذهب
1- السودان.. أكبر منتج عربي رغم الحرب والاضطرابات
لا يزال السودان يتربع على عرش الدول العربية المنتجة للذهب، رغم الحرب الدائرة والانقسام السياسي الحاد. وتتركز أنشطة التعدين في ولايات نهر النيل والشمالية والبحر الأحمر، التي تُعد شريان الصناعة المعدنية في البلاد.
ووفقًا لتقرير معهد تشاتام هاوس بعنوان “الذهب والحرب في السودان” فإن تجارة الذهب أصبحت مرتبطة ارتباطا وثيقا بالصراع الداخلي، حيث تمثل مصدرا رئيسيا لتمويل الميليشيات المسلحة وشبكات التهريب.
وقد تجاوز إنتاج السودان الرسمي 80 طنا سنويا قبل اندلاع الحرب عام 2023، قبل أن يتراجع إلى طنين فقط خلال الأشهر الخمسة الأولى من الصراع، ثم يعود للارتفاع إلى 73.8 طنا في عام 2024، وفقا لبيانات مجلس الذهب العالمي.
وفي النصف الأول من عام 2025، أعلنت الشركة السودانية للموارد المعدنية عن إنتاج 37.3 طنا، في مؤشر على مرونة غير مسبوقة رغم الظروف القاسية. ويجمع الخبراء في معهد ISPI وتشاتام هاوس على أن الإنتاج الحقيقي قد يفوق الأرقام الرسمية بكثير، بسبب التعدين غير المنظم والتهريب.
2- موريتانيا.. كنز تازيازت يضعها في المركز الثاني عربيا
بإنتاج بلغ 21.9 طنا في عام 2024، تحتل موريتانيا المرتبة الثانية عربيا. ويُعد منجم تازيازت جوهرة التعدين الموريتاني وواحدا من أكبر مناجم الذهب في إفريقيا، باحتياطيات تفوق 220 طنًا.
وتدير المنجم شركة كندية منذ عام 2007 بموجب ترخيص حكومي، ليصبح ركيزة أساسية لاقتصاد موريتانيا ومثالا على نجاح الاستثمار الأجنبي في قطاع التعدين.
3- مصر.. عملاق السكري يقود النهضة التعدينية نحو العالمية
تُعد مصر صاحبة ثالث أكبر إنتاج للذهب عربيا، بفضل منجم السكري العملاق الذي أعاد البلاد إلى خريطة التعدين العالمية.
وتمتد القصة المصرية مع الذهب لآلاف السنين، إذ كانت الصحراء الشرقية مصدرا للذهب منذ عهد الفراعنة. واليوم، تقع المنطقة ضمن نطاق الدرع العربي النوبي، أحد أغنى التكوينات الجيولوجية في العالم، المشترك مع السودان والسعودية وإريتريا.
ويُغطي منجم السكري مساحة 160 كيلومترا مربعا بالقرب من مرسى علم، ويُعتبر أكبر وأهم منجم في مصر وأحد أضخم مناجم إفريقيا. بدأت العمليات التجارية عام 2010، ليُحول مصر إلى لاعب محوري في سوق الذهب العالمي.
وفي عام 2023، أنتج المنجم نحو 450 ألف أوقية (14 طنا) من الذهب. وفي صفقة ضخمة نهاية عام 2024، استحوذت شركة أنجلو جولد أشانتي الجنوب أفريقية على شركة سنتامين المالكة السابقة للمنجم، بقيمة 2.5 مليار دولار، ما منحها السيطرة الكاملة على المشروع.
ويرى محللون أن هذه الصفقة تمثل نقطة تحول استراتيجية، إذ تعكس ثقة المستثمرين العالميين في بيئة التعدين المصرية. كما أجرت الحكومة تعديلات تشريعية كبيرة لتشجيع الاستثمار، تضمنت إعفاءات ضريبية وتبسيط إجراءات الترخيص ومد فترات الامتياز.
وأكدت وزارة البترول والثروة المعدنية أنه تم ترخيص أكثر من 100 منطقة تنقيب جديدة منذ 2020، مع توقعات بمضاعفة الإنتاج بحلول 2030 بفضل الاكتشافات الحديثة في مناطق أبو مروات وحمامة ووادي العلاقي.
ويؤكد الخبراء أن مصر تسير نحو مرحلة ازدهار معدني حقيقي، تجعلها في مصاف أبرز منتجي الذهب في الشرق الأوسط خلال السنوات المقبلة.
4- السعودية.. رؤية 2030 تحول التعدين إلى ركيزة اقتصادية
مع احتياطيات تقدر بـ 323.7 طنا، تتجه المملكة العربية السعودية نحو بناء قطاع تعدين عالمي الطراز ضمن مستهدفات رؤية 2030.
وتضم المملكة ستة مناجم رئيسية أبرزها الدويحي في مكة ومهد الذهب في المدينة المنورة، بإنتاج وصل إلى 13.5 طنا عام 2020 مع توقعات بنمو سنوي نسبته 6% حتى 2027، وفقا لتقارير Mining Technology.
كما أطلقت الحكومة قاعدة البيانات الجيولوجية الوطنية لتشجيع الاستثمارات واستكشاف أكثر من 5500 موقع معدني على مستوى البلاد.
5- المغرب.. اكتشافات كلميم تغير خريطة التعدين
تسارعت وتيرة دخول المغرب إلى سباق الذهب بعد اكتشاف كبير في كلميم، حيث أعلنت شركة أولاه بالاس للتجارة عن 34 عرقا من الكوارتز بتركيزات ذهب تصل إلى 30 جراما للطن، وهي نسبة عالية وفق المعايير الدولية.
وتشير التقديرات إلى احتياطيات تتراوح بين 3 و5 ملايين أوقية، ما قد يجعل المغرب لاعبا مهما في شمال إفريقيا خلال العقد المقبل. ويبلغ إنتاج المغرب الحالي نحو 140 كيلوجراما فقط سنويا، لكن الاكتشاف الجديد قد يفتح آفاقا غير مسبوقة للنمو.
6- الجزائر.. احتياطي كبير وإنتاج محدود
بلغ إنتاج الجزائر نحو 100 كيلوجرام في 2023، بينما تشير بيانات اقتصاديات التداول (Trading Economics) إلى أن احتياطيات البلاد بلغت 173.56 طنا في منتصف عام 2025.
ويرى محللون أن الجزائر تملك فرصا واعدة في حال تحسين بيئة الاستثمار وتحديث البنية التحتية وتشريعات التعدين، خاصة في منطقة الهقار الغنية بالمعادن.
الترتيب العربي لإنتاج الذهب (2024-2025)
- السودان – 73.8 طن (2024)
- موريتانيا – 21.9 طن (2024)
- مصر – 14 طنًا (2023 – منجم السكري)
- المملكة العربية السعودية – 13.5 طنا (2020 – استمرار النمو)
- المغرب – 0.14 طن (2022)
- الجزائر – 0.1 طن (2023).
فصل جديد في سباق الذهب العربي
فمن مناجم السودان التي تشتعل وسط النزاعات، إلى النهضة التعدينية في مصر، والاكتشافات الواعدة في المغرب، يدخل العالم العربي عصرا جديدا من التحول الاقتصادي مدفوعا بالذهب.
ويرى الخبراء أن تحسين الشفافية وتقليص التهريب وزيادة الإنتاج الصناعي المنظم هي مفاتيح صعود العرب في خريطة الذهب العالمية، مما يجعلهم خلال السنوات القادمة قوة استراتيجية مؤثرة في أسواق المعدن النفيس.
