
أود في هذه الورقة التي ستكون مقتضبة نظرا لشح المراجع وندرة البحث في موضوعها أن اعطي تعريفا -ولو غير دقيق- لكاتب الضبط من حيث مركزه الوظيفي والمهني ومهامه وصلاحياته وطريقة اكتتابه ومساره المهني ، ولعل قلة المراجع في الموضوع ، وندرة البحوث فيه هي التي دفعتني لمحاولة معالجة الموضوع من زواياه الأساسية، لعلي أضع لبنة ومنطلقا لتناوله لا حقا من طرف الباحثين وطلاب القانون ،حتى يصبح موضوعا معروفا وخاضعا للدراسة كاي موضوع من المواضيع التي يدرسها طلاب كليات الحقوق في البلد وخارجه.
يدرك الباحثون والمهتمون في مجال القانون والإدارة أن المشرع الموريتاني لم يقدم تعريفا خاصا لكاتب الضبط في أي موضع من النصوص التي تمت صياغتها حتى الآن ، لكن حين ننطلق من كونه موظفا عموميا طبقا لمقتضيات القانون رقم 09/93 الصادر بتاريخ 18 يناير 1993 المتضمن النظام الأساسي للموظفين والوكلاء العقدوين للدولة الذي جاء في المادة 2 منه انه ( يطبق هذا الباب على الأشخاص المعينين في وظيفة مدنية دائمة والمرسمين في درجة من سلم إدارات الدولة ومؤسساتها العمومية ذات الطابع الإداري والذين لهم على هذا الأساس صفة موظفين) فهذه المواصفات كلها تنطبق على الطبيعة المهنية لكاتب الضبط ، فهو إذا موظف عمومي .
وإذا كان القانون نفسه أورد في المادة 31 أنه( مع مراعاة أحكام هذا النظام الأساسي تحدد النظم الخاصة المقررة بموجب مرسوم بعد أخذ رأي المجلس الأعلى للوظيفة العمومية ) فقد جاء المرسوم رقم 171/2009 الصادر بتاريخ 11 مايو 2009 المتضمن النظام الأساسي لكتاب الضبط تكريسا لانتمائهم لأسلاك الوظيفة العمومية وانطباق القانون 09/93 المتضمن النظام الأساسي للموظفين عليهم، كما ورد أيضا في المادة 51 منه أن( المسابقة هي الطريقة القانونية العادية لاكتتاب الموظفين ) وكتاب الضبط يكتتبون عن طريق مسابقة ، كما أنهم ينتظمون ضمن الأسلاك الثلاثة للوظيفة العمومية ، فمنهم المنتمون للسلك أ والسلك ب والسلك ج حسب المؤهلات العلمية كما هو مقرر في القانون. وقد أسماهم المرسوم رقم 173/2009 المتضمن نظامهم الأساسي موظفين فقد جاء في المادة الاولى منه ما نصه ( تطبيقا لأحكام القانون رقم 09/93 المتضمن النظام الأساسي للموظفين والوكلاء العقدويين للدولة يحدد هذا المرسوم النظام الخاص بالموظفين المنتمين لأسلاك كتابات الضبط) مؤكدا في مادته 13 ماجاء في المادة 51 من النظام الأساسي للموظفين والوكلاء العقدويين للدولة حيث نصت على أنه( يتم اكتتاب الموظفين المنصوص عليهم في هذا المرسوم من خلال مسابقة) ، فمن هذه المعطيات يثبت لدينا أن كاتب الضبط موظف عمومي ، وسنلتقط بقية مكونات تعريفه من خلال ما أقرت له القوانين من الصلاحيات والمهام ، والمكانة التي وضع له المشرع والإهتمام الذي احاطه به ، فنجد أن مهام كاتب الضبط تتلخص في تضمنه نص المادة 14 من المرسوم 173/2009 التي جاء فيها( يساهم موظفو كتابات الضبط في حسن سير عمل المحاكم وهم مكلفون ب : مساعدة القضاة في الحالات المحددة في القانون
- تحرير أعمال كتابات الضبط والقيام بالإجراءات التي تدخل ضمن اختصاصهم
- حفظ مستخرجات الأحكام وأرشيف المحاكم وتسليم النسخ العادية والتنفيذية والمستخرجات عنها ،
- تصديق أعمال القضاة ومساعدتهم عند الإقتضاء في مزاولتهم مهام الرقابة على المأمورين الرسميين
- المساهمة في حسن سير مصالح الإدارة المركزية بوزارة العدل.)
وهذه المهام تم توضيحها أكثر في المرسوم رقم 209/2023 المتضمن صلاحيات وزير العدل وتنظيم الإدارة الإقليمية لقطاعه حيث ورد في المادة 18 منه أنه ( يتمتع رؤساء كتابات ضبط محاكم الإستئناف برتبة وامتيازات مدير جهوي ، ويتمتع رؤساء كتابات ضبط محاكم الولايات برتبة وامتيازات رئيس مصلحة ) وورد في المادة 60 منه أن صلاحياتهم تتمثل في التسيير الإداري والمالي لمخصصات ووسائل المحاكم تحت إشراف رؤساء المحاكم وإن طبيعة ذلك التسيير والعلاقات المهنية في إطاره ستحدد بمقرر ،
ونظرا لجسامة هذه المهام احتاط المشرع لممارستها على أحسن وجه فألزم كاتب الضبط بأداء يمين قانونية قبل مباشرته لمهامه ، فجاء في المادة 19 من المرسوم رقم 173/2009 المنتضمن النظام الأساسي لكتاب الضبط أنه ( قبل دخولهم في المهنة يؤدي كتاب الضبط اليمين التالية: أقسم بالله العلي العظيم أن ؤأدي بحسن وأمانة المهام الموكلة إلي طبقا للقوانين والنظم المعمول بها وأن أحافظ على شرف وسير المهنة ) ، ولم يكتف بذلك فأقر لكتاب الضبط حصانة من درجة معينة تكرس لهم حق الحماية الواجبة للموظفين ، فجاء في المادة 23 من نفس المرسوم ( الموظفون المسيرون بموجب هذا المرسوم في ما عدا حالة التلبس لا يمكن وضعهم تحت بطاقة إيداع إلا بعد أخذ رأي وزير العدل ).
أصبح الآن بإمكاننا تجميع هذه المعطيات لصياغة تعريف لن يكون جامعا مانعا نظرا لما سلف ذكره من إكراهات ، ولكنه مشروع حقيقي لفهم ماهية الإطار الوظيفي والمهني لكاتب الضبط فنرى أن كاتب الضبط هو ((موظف عمومي يقوم بمهام قضائية ذات طابع إداري، يتولى ضبط وتوثيق وتصديق واستغلال الوثائق القضائية ، ويشارك في تسيير الموارد البشرية والمالية للمحاكم وإدارات وزارة العدل ، وله خصوصيته الوظيفية التي تدل على جسامة مهامه وحساسيتها)).
ولأنه يعاني حالة غمر تنعكس سلبا على إشراك كتابة الضبط في الخطط التنموية ، وبالتالي على تطوير وعصرنة القضاء فإنه يتعين على الباحثين والمهتمين دراستها وتناولها في البحوث وكمادة للمعالجة حتى يتم تنوير الرأي العام والساسة حول دورها واهميتها فتعطى ما تستحق إكمالا للاركان القضائية ليقوم بناء صرح العدالة على أسس سليمة .
- مسك قلم الجلسة