نظمت جمعية المستقبل للدعوة والثقافة والتعليم ليل الاثنين الملتقى الثاني من ملتقياتها العلمية، وضم العلامة الشيخ محمد الحسن ولد الددو، ونخبة من الأطباء من مختلف الاختصاصات.
الأمين العام للجمعية الشيخ شيخنا سيدي الحاج، أكد أن الملتقى الجديد يجمع بين علمين جليلين هما الفقه والطب، مردفا أنه يأتي في وقت تتزايد فيه التحديات الأخلاقية والشرعية والطبية، مما يجعل من الضروري أن نفتح أبواب الحوار والتعاون بين الفقهاء والأطباء، لنصل إلى توافق يحقق الخير للإنسانية ويخدم القيم الإسلامية العظيمة.
ووصف ولد سيدي الحاج الطب بأنه "رسالة عظيمة، ليس فقط لأنه يعالج الأمراض ويخفف الآلام، بل لأنه يحفظ النفس التي جعلها الله من الكليات الخمس التي أوجب الإسلام رعايتها"، مضيفا أن "الطبيب يحمل على عاتقه أمانة عظيمة، فهو لا يعالج الجسد فقط، بل يراعي روح الإنسان وكرامته، ويقف على الخط الأمامي في مواجهة تحديات الأخلاق والقيم الإنسانية".
وأكد ولد سيدي الحاج أن الشريعة الإسلامية أولت "الطب مكانة سامقة، ومرتبة منيفة، وربطت في اهتمامها به بين صحة الجسد والروح، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: "تداووا عباد الله، فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء، ويقول فيه حديث آخر "إن لجسدك عليك حقا".
وأضاف ولد سيدي الحاج إن الشريعة الإسلامية اهتمت بالطب الوقائي كالنظافة الشخصية من خلال الوضوء، وغسل اليدين، والسواك، ومن خلال حثها على الاعتدال في الأكل والشرب وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم "ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطنه، بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه".
ونبه ولد سيدي الحاج إلى أن الشريعة "حذرت مما يمكن أن يؤدي إلى انتشار العدوى، فقال النبي ﷺ - كما ورد في البخاري - "لا يورد ممرض على مصح"، واصفا هذا الحديث بأنه "تأصيل للحجر الصحي"، مضيفا أن الشريعة منعت المحرمات لضررها على الصحة، كالخمر وأكل الميتة ولحم الخنزير.
كما تحدث ولد سيدي الحاج عن الضوابط الأخلاقية للشريعة في مجال الطب "فهي تمنع التسبب في الضرر، أو الأذى، انطلاقا من القاعدة الشرعية "لا ضرر ولا ضرار"، وتأمر بالالتزام بالصدق والأمانة في التشخيص والعلاج، وتمنع إفشاء أسرار المرضى".
وأكد ولد سيدي الحاج أنه كان للعلماء المسلمين، وللحضارة الإسلامية مساهمتها المقدرة في تاريخ العلوم الإنسانية بشكل عام، وفي الطب بشكل خاص، حيث أبدع فيه عدد من العلماء كابن سينا والرازي، وغيرهم، كما كان للأمة كلها مساهمتها في توفير الخدمات الصحية، وفي تطوير الطب من خلال فكرة الوقف الطبي، والمستشفيات الخيرية التي ظهرت في الحضارة الإسلامية.
وأضاف ولد سيدي الحاج أن الفقه الإسلامي يمثل الضمير الشرعي الذي يُعنى بتوجيه حياة الإنسان وفقاً لأوامر الله ونواهيه. والفقهاء يحملون مسؤولية عظيمة في بيان الأحكام الشرعية المتعلقة بالقضايا الطبية المعاصرة، مثل زراعة الأعضاء، والتدخلات الجينية، والذكاء الاصطناعي في الطب، والتبرع بالأعضاء، وحفظ الأجنة وتجميدها، والاستنساخ، والتصرف في جسم المريض، وغيرها من الموضوعات التي تتطلب اجتهادا شرعيا متجددا.
ووصف الأمين العام للجمعية الملتقى الذي انعقد الليلة بأنه "ليس مجرد لقاء علمي، بل هو جسر لبناء الثقة والتفاهم بين علم الفقه وعلم الطب، فنحن بحاجة إلى حوار دائم ومثمر بين هذين المجالين، ليكون الطبيب على بينة من الأحكام الشرعية التي تحكم عمله، ويكون الفقيه قريباً من الواقع الطبي ومتغيراته، ليكون الاجتهاد مبنياً على علم ومعرفة".
وقدم الشيخ الددو خلال اللقاء عرضا تحدث فيها عن تاريخ الطب باعتباره تراكما بشريا، وإرثا حضاريا لكل البشرية، كما رد على أسئلة واستشكالات الأطباء في العديد من المجالات، كزراعة الأجنة، والتبرع بالأعضاء، والإجهاض، والتأمين الطبي، وغيرهم من المجالات.
وحضر اللقاء العديد من الأخصائيين الموريتانيين في مجالات مختلفة، فيما تولى إدارته وتأطيره أخصائي العظام الدكتور كمال أحمد سيدي.