قال المحام و الأستاذ، أمين ولد عبد الله، إن غياب التواضع لدى مسؤولينا على جميع المستويات، هو الذي جعل البلد كله غير متوازن و تسبب في تدهور العديد من العلاقات التي كان من الممكن أن تكون مثمرة ومفيدة؛ و هذا ما جعل الكثير من المشاريع تتوقف عند مستوى الدراسة؛ او بسبب ضعف التمويل او سوء استخدامه.
و في مقال نشره اليوم, تسائل المحامي قائلا: الا تسكن بلادنا قوة تقضي على كل تواضع؟ قوة تدفع البعض إلى الكبرياء والبعض الآخر إلى تنمية الغرور المتضخم. لدرجة أننا نرى أن:
إن أي موريتاني يعود إلى البلاد، بعد بضع سنوات من الدراسة - حتى و إن كانت في بعض الأحيان ضعيفة- يميل إلى التصرف وكأنه قاض، او عالم؛ و اي منا خريج او "مجرد مسجل" حتى من أضعف المدارس - يتحول إلى مشرع عظيم، ويعتبر نفسه منبعا للعلم ومصدرا له؛
و يواصل ولد عبد الله مستنكرا، "أن أي موريتاني يختار مهنة رجل أعمال (يا لها من صعوبة، عندما تعرف ما يتطلبه الأمر من ألعاب بهلوانية!) يجعل من نفسه، بين عشية وضحاها، سياسيا - على الرغم من صفاته غير المطمئنة في كثير من الأحيان - ويريد أن يصبح هو كبير القضاة في البلد ; مثبتا قاعدة: أن اي موريتاني يريد، بطريقة غير مشروعة، أن يصبح – حتى قبل أن ينهي أو يبدأ حياته المهنية – دون خبرة او معرفة او فطمة تجارية...، أن يكون مالك عقار، أو أكبر مساهم في شركة، أو مالك مزارع، أو قطعان إبل أو صاحب مصرف او مدير شركة... الخ".
و يستغرب ذ. أمين، أن البعض و رغم جهله بحقائق الوطن والمجتمع – إما لتركه أو لإهماله – لا يتردد لحظة واحدة في الترشح لمنصب نائب، أو مستشار في منطقته، حيث لا تطأ قدماه أديمها في أغلب الأحيان، إلا بمناسبة الانتخابات أو بعد وفاة أحد الأعيان المعروفين. إنا في بقية الوقت فلا يهتم بمشاكل منطقته ولا بمشاكل ساكنتها...
و في تحليله لهذه الظاهرة، يوضح المحامي المعروف، أن الافتقار إلى التواضع، يؤدي أيضًا إلى عقدة التفوق، عقدة يمكن أن تؤدي عند البعض، حتى إلى مواقف او نظرة عنصرية.
و يختم ولد عبد الله، موضحا أن قلة التواضع عيب يسكننا، دون استثناء " سواؤ كنا مدنيون، جنود، موظفون، رجال أعمال، مثقفون، مربيون، أشخاص ليس لديهم ثقافة أو لديهم مستوى ثقافة محدود. ... لقد كان الافتقار إلى التواضع، منذ عدة سنوات، سمة سائدة لدى العديد من الموريتانيين، وخاصة "المسؤولين التنفيذيين. فهؤلاء رغم ان نجاحهم يعتمد فقط على النشاط السياسي والحماس لخدمة سلطة اللحظة، ينظرون بازدراء إلى الآخرين، ويعتبرون أنفسهم شخصيات أساسية لا غنى عنها، دون "وزنهم" و"مكانتهم". و ذلك رغم قلة فائدتهم على مجتمعهم، فهم لا يستثمرون أبدًا، ولا يساعدون - إلا بطريقة تخدم مصالحهم الذاتية - وبالنسبة لهم، هم مركز العالم،و في أقصى الحالات، لا يستخدمون قوتهم و ثروتهم المكتسبة، بشكل غير مشروع في أغلب الأحيان، لا يستخمونها إلا لسحق "كل منافس" يحاول المشاركة.
و في نهاية مقاله الرائع، يفصل المحام، بين التواضع و الكبرياء الذي يجب أن يحرك كل إنسان، وحب الذات، والشخصية، وثقافة الشرف. موضحا ان، الافتقار إلى التواضع يشبه الكبرياء في غير محله ويؤدي عمومًا إلى السقوط، حيث قبل قديما: "التواضع قبل المجد، والكبرياء قبل السقوط"؟
نص الفقرة الأخيرة من المقال:
إن عدم التواضع - الذي يشير إلى حالة عقلية ونفسية غير حازمة - هو سمة الأفراد الذين يرفضون الواقع ويشككون في كرامتهم، ويقنعون أنفسهم بأن كل ما يختلف عنهم ليس جيدًا؛ وأي شيء لا يأتي منهم فهو تافه!
ومن هذه الملاحظة، يبدو أن أي بلد لا يمكن أن يتطور إذا استمر المسؤولون التنفيذيون في تنمية مثل هذا السلوك، لأن المسؤولين التنفيذيين من هذا النوع لا يستطيعون النهوض بأمة تحتاج إلى رجال حكيمين وصبورين وصادقين.
لا يمكن بناء أي بلد إلا في انسجام وتكامل وتكافل حيث يتم احترام بعضنا البعض. وبهذا الثمن أيضًا يمكن تحقيق التعايش المثالي والتعايش الجيد لتحقيق المنفعة الكبيرة للجميع.
أخيرًا، فالشخص الذي علمه التواضع الصفاء والشجاعة لتغيير ما ليس جيدًا، والحكمة لفهم أن حياة الإنسان قصيرة جدًا، هو وحده الذي يستحق أن يحمل اسم الإنسان ولا يستحق بأي حال من الأحوال أن نكرس له السلوك غير المستحق أو الإجراءات الواقعية.