قال شيخُ الإسلام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله تعالى:
(بسم الله الرحمن الرَّحيم، شروط الصلاة تسعة: الإسلام، والعقل، والتَّمييز، ورفع الحدث، وإزالة النَّجاسة، وستر العورة، ودخول الوقت، واستقبال القبلة، والنِّية.
والشَّرط الأول: الإسلام، وضدّه الكفر، والكافر عمله مردودٌ، ولو عمل أي عملٍ.
والدليل قوله تعالى: مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ [التوبة: 17]، وقولـه تعـالى: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا [الفرقان: 23].
الشرط الثاني: العقل، وضدّه الجنون، والمجنون مرفوعٌ عنه القلم حتى يفيق.
والدليل حديث: رُفِعَ القلم عن ثلاثة: النَّائم حتى يستيقظ، والمجنون حتى يفيق، والصغير حتى يبلغ.
الشرط الثالث: التَّمييز، وضدّه الصِّغَر، وحدّه سبع سنين، ثم يُؤمر بالصلاة؛ لقوله ﷺ: مروا أبناءكم بالصَّلاة لسبعٍ، واضربوهم عليها لعشرٍ، وفرِّقوا بينهم في المضاجع.
الشرط الرابع: رفع الحدث، وهو الوضوء المعروف، ومُوجبه الحدث.
وشروطه عشرة: الإسلام، والعقل، والتَّمييز، والنِّية، واستصحاب حكمها بأن لا ينوي قطعها حتى تتم الطَّهارة، وانقطاع مُوجبٍ، واستنجاء أو استجمار قبله، وطهورية ماء، وإباحته، وإزالة ما يمنع وصوله إلى البشرة، ودخول وقتٍ على مَن حدثه دائم لفرضه.
وأما فروضه فستة:
غسل الوجه، ومنه المضمضة والاستنشاق، وحدّه طولًا من منابت الشعر إلى الذّقن، وعرضًا إلى فروع الأُذنين.
وغسل اليدين إلى المرفقين، ومسح جميع الرأس، ومنه الأذنان، وغسل الرِّجْلين إلى الكعبين، والترتيب، والموالاة.
والدليل قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ الآية [المائدة: 6].
ودليل الترتيب حديث: ابدأوا بما بدأ اللهُ به.
ودليل الموالاة حديث صاحب اللّمعة: عن النبي ﷺ أنه رأى رجلًا في قدمه لمعة قدر الدِّرهم لم يُصبها الماء فأمره بالإعادة.
وواجبه التَّسمية مع الذِّكْر.
ونواقضه ثمانية: الخارج من السَّبيلين، والخارج الفاحش النَّجس من الجسد، وزوال العقل، ومسّ المرأة بشهوةٍ، ومسّ الفرج باليد، قُبُلًا كان أو دُبُرًا، وأكل لحم الجزور، وتغسيل الميت، والردة عن الإسلام. أعاذنا الله من ذلك).
الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد: فيقول المؤلفُ رحمه الله، وهو الشيخ الإمام محمد بن عبدالوهاب بن سليمان بن علي التَّميمي رحمة الله عليه، شيخ الإسلام في عصره، والمجدد لما اندرس من معالم الإسلام في النصف الثاني من القرن الثاني عشر في هذه الجزيرة العربية، والمتوفى سنة ستٍّ ومئتين وألف من الهجرة النَّبوية.
يقول رحمه الله: (شروط الصَّلاة تسعة)، وهذا أمرٌ معروفٌ لأهل العلم، وكان العلماء يُعلمونها الناس من الأصول الثلاثة السَّابقة، يُعلمونها الجماعة في المسجد حتى يتفقَّهوا في أصول دينهم، وأصول صفة الصلاة، وأركانها، وواجباتها؛ لأنَّ كل مسلمٍ محتاجٌ إلى ذلك.
والشرط هو الذي لا يلزم من وجوده الوجود، وينتفي المشروط عند انتفائه: كشرط الصلاة، وشرط الزكاة، وأشباه ذلك، لا يلزم من وجوده الوجود، ولكن يلزم من عدمه العدم، فمتى عُدم الشرط عُدم المشروط، لكن لا يلزم من وجوده الوجود حتى تُستكمل الشروط كلها مع الواجبات والفرائض، وهذه الشُّروط لا بُدَّ منها في الصلاة، فإذا استكملت صحَّت الصَّلاة.
شروط الصلاة من أولها إلى آخرها: أولها الإسلام من أوله إلى آخره، لا بُدَّ أن يكون حين دخوله في الصَّلاة إلى أن يخرج منها مسلمًا، فإن صلَّى وهو كافر فصلاته غير صحيحةٍ؛ لقوله جلَّ وعلا: مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ [التوبة: 17]، وقوله جلَّ وعلا: وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام: 88]، وقوله سبحانه: وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ [المائدة: 5]، وقوله سبحانه: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا [الفرقان: 23].
فكل إنسانٍ يُحكم بكفره فصلاته غير صحيحةٍ، فلو صلَّى قبل الدخول في الإسلام لم تصحّ حتى يدخل في الإسلام.
الشرط الثاني: العقل، بأن يكون عنده عقل يُميز به بين ما يضرّه وما ينفعه، وبين الخير والشَّر، أما إن كان مجنونًا أو معتوهًا ما يُميز فلا صلاةَ له؛ لقوله ﷺ: رُفع القلم عن ثلاثة: النَّائم حتى يستيقظ، والمجنون حتى يفيق، والصَّغير حتى يبلغ.
الشرط الثالث: (التَّمييز، وضدّه الصّغر، وحدّه سبع سنين، ثم يُؤمر بالصلاة)؛ لقوله ﷺ: مُروا أبناءكم بالصلاة لسبعٍ، واضربوهم عليها لعشرٍ، وقوله ﷺ في الحديث: الصَّغير حتى يبلغ، يعني: غير مُكلَّفٍ، ولا يكون مُكلَّفًا بحيث يأثم إلا بعد البلوغ، ولكن يُؤْمَر بها قبل هذا السّن تمهيدًا وتمرينًا على الصلاة؛ حتى إذا بلغ فإذا هو قد اعتادها وتمرَّن عليها.
الشرط الرابع: رفع الحدث، أي: كونه يتطهر من الحدثين الأكبر والأصغر، فلا بُدَّ أن يكون على طهارةٍ؛ لقوله ﷺ: لا تُقبل صلاة بغير طهورٍ؛ ولقوله ﷺ: لا تُقبل صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ، فلا بُدَّ من رفع الحدث بالماء عند وجوده، أو التَّيمم عند عدم الماء أو العجز عنه.
وشروط الوضوء عشرة، لا يصح الوضوء إلا بعشرة: الإسلام، والعقل، والتَّمييز، يتوضأ وهو مسلم، عاقل، مُميز.
والنية يعني: نية الطَّهارة، بأن ينوي الطَّهارة من البول، من الريح، من الحدث الذي حصل منه: من بولٍ، أو ريحٍ؛ لقوله ﷺ: إنما الأعمال بالنيات.
واستصحاب حكمها بأن تبقى معه النية حتى يُكمل الوضوء، في الصلاة، وفي الوضوء، لا بدَّ من النية كاملةً حتى يكمل.
واستصحاب حكمها بأن لا ينوي قطعها حتى تتم الطَّهارة، هذا استصحاب الطَّهارة، يعني: تبقى معه، فلو غسل وجهه ويديه ثم هون عن الوضوء، ثم طرأ عليه أن يُكمل، يُعيده من أوله؛ لأنه قد بطل وضوؤه لما قطع النِّية.
وانقطاع الموجب بأن يتوضأ بعد أن انقطع عنه مُوجب، وهو البول أو الغائط مثلًا، فلو توضأ والبول يخرج منه ما صحَّ حتى ينقطع عنه الموجب ويستنجي.
واستنجاء أو استجمار قبله، لا بُدَّ أن يسبقه استنجاء أو استجمار، بعد الحدث من البول أو الغائط يستنجي بالماء، أو يستجمر بالحجارة ثلاث مرات فأكثر، فشرط الاستجمار أن يكون ثلاثًا فأكثر، ويُنقي المحلّ.
الثامن: طهورية الماء، كون الماء طهورًا.
التاسع: إباحته، ما هو بمغصوبٍ ولا مُحرَّم.
وإزالة ما يمنع وصول البشرة، الشرط العاشر: كونه يُزيل ما يمنع وصول الماء إلى البشرة، إن كان على وجهه أو يده، كعجين، أو أشياء تمنع الماء، يُزيلها حتى يصل الماءُ إلى البشرة.
هذه عشرة في الوضوء.
والحادي عشر: دخول الوقت لمن حدثه دائم كالمستحاضة، وصاحب السَّلس يتوضأ إذا دخل الوقتُ؛ لقول النبي ﷺ للمُستحاضة: توضَّئي لوقت كل صلاةٍ.
وفروضه ستة، فروض الوضوء ستة: غسل الوجه، والمضمضة، والاستنشاق، وغسل اليدين مع المرفقين، ومسح الرأس مع الأذنين، وغسل الرِّجْلين مع الكعبين، والترتيب، والموالاة.
هذه فروض الوضوء؛ لقوله جلَّ وعلا في آية المائدة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ [المائدة: 6]؛ ولأنَّ الله رتَّبها، فوجب ترتيبها كما رتَّبها الله، فيبدأ بما بدأ الله، والنبي ﷺ توضَّأ كما بيَّن الله، فعلينا أن نتوضأ كما توضأ عليه الصلاة والسلام.
والسادس: الموالاة، بأن يُوالي بين أعضائه، لا يُفَرِّق بينها، يعني: يتوضأ وضوءًا مُتواليًا قبل أن تنشف أعضاؤه.
والدليل على هذا: أنه ﷺ لما رأى رجلًا في قدمه لمعة قدر الدِّرهم لم يُصبها الماء أمره أن يُعيد الصلاة والوضوء، فدلَّ على أنه لا بُدَّ من الموالاة، ما قال عليه الصلاة والسلام له: اغسل محلّ اللّمعة، بل أمره أن يُعيد الوضوء والصلاة، فلا بُدَّ من الموالاة في الوضوء، فلو غسل أعضاءه، وبقيت الرِّجْل اليسرى، وطال المكث حتى يبست الأعضاء، فإنه يُعيد الوضوء؛ لأنه لم يُوالِ.
والنَّواقض ثمانية عند جمعٍ من أهل العلم، وقال آخرون أنها أقلّ من ذلك: فالخارج من السَّبيلين من البول والغائط، وما في حكمهما من الدُّبر والقُبل، والخارج الفاحش النَّجس من الجسد: كالصديد، والقيح، والقيء إذا كان كثيرًا، أما القليل يُعفا عنه، وزوال العقل بنومٍ أو سُكْرٍ أو مرضٍ، فإذا زال عقلُه ثم عاد عقلُه يتوضَّأ.
ولمس المرأة بشهوةٍ عند جمعٍ من أهل العلم، وقال آخرون: لا ينقض. فيها خلافٌ بين أهل العلم، والصواب والراجح من الأقوال أنه لا ينقض؛ لأنَّ الرسولَ ﷺ كان يُقبل بعضَ نسائه، ثم لا يتوضأ.
والمؤلف جرى على طريقة الحنابلة في هذا رحمه الله.
أما قوله تعالى: أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء، فالمراد به الجماع.
وهكذا مسّ الفرج باليد ناقضٌ؛ لقوله ﷺ: مَن مسَّ فرجه بيده فليتوضأ، وفي لفظٍ: مَن أفضى بيده إلى فرجه فليتوضأ، وفي لفظٍ آخر: مَن مسَّ ذكره فليتوضأ.
السابع: تغسيل الميت عند جمعٍ من أهل العلم؛ لأنه في الغالب قد تمسّ يده العورة؛ ولأنه يحصل له من الضَّعف ما هو جديرٌ بأن يتوضأ حتى ترجع إليه قوته ونشاطه.
والثامن: الردة عن الإسلام، فإذا توضأ ثم أتى بمُكَفِّرٍ، ثم هداه الله وتاب، فإنه يُعيد الوضوء.
هذه ثمانية قالها جمعٌ من أهل العلم، منهم مذهب الحنابلة رحمهم الله.
وقال آخرون: إنها أقلّ من ذلك، عند خروج الفاحش النَّجس من الجسد ما هناك دليل واضح في نقضه، إنما هو من باب الاحتياط، والحديث: "قاء فتوضأ"، وهكذا مسّ المرأة بشهوةٍ، وهكذا تغسيل الميت ما عليه دليل واضح، فعلى هذا تكون خمسةً، وإذا قيل أنَّ الردة عن الإسلام ليست ناقضةً تصير أربعةً، فتكون أربعةً واضحةً أدلتها، وأربعة فيها خلاف بين العلماء، وهي: الفاحش النَّجس من الجسد، ومسّ المرأة، وتغسيل الميت، والردة عن الإسلام. هذا محل الخلاف.
وفَّق الله الجميع.